البومة

البومة

100 عام من النجاة: كيف نجونا من الجنون الذي أصاب الأخرين P2

في التدوينة التالية، نستكمل الموضوع الذي بدأتُ في تناوله في الجزء الأول من الحديث عن الصحة النفسية.  

lمرحلة جديدة من العلاج، والتعافي: 

في عام 2017، تغيرت الأمور كثيراً. كنت قد قطعت شوطاً كبيراً في العلاج النفسي السلوكي، وتغيرت للأفضل بالفعل، لكن بعض الظروف الجديدة قد طرأت علي حياتي ساهمت في قلب الأمور رأساً عن عقب.
في منتصف عام 2017، انقطعت زياراتي لمعالجتي النفسية بسبب ظروف سفرها، وإن كنا نحرص علي التواصل عن طريق أحد تطبيقات التواصل الإجتماعي للتأكد من استقرار حالتي وعدم تعرضي للإنتكاس. كانت معالجتي حريصة أكثر مني علي أن أستمر في الخط الذي بدأته وأحرزت فيه تقدماً ملحوظاً. 
تغيرت الظروف بشكل سريع في هذه الفترة، حيث ازدادت ضغوط العمل التي كنت أتعرض لها، بالإضافة لبعض الأحداث الشخصية المؤلمة للغاية. في نهاية المطاف وجدت نفسي أنزلق لأسفل، ولم تنجح جميع التقنيات التي تعلمتها وقمت بتطويرها في إنقاذي مما كنت أنزلق له. أصبحت أٌقل رغبة في الحياة، أكثر ميلاً للبكاء والصمت والشرود والحزن، كما راودتني الكثير من الأفكار المتعلقة بالرغبة في الموت.  

في بداية شهر أغسطس 2017، أصابتني أولي نوبات الهلع والتي تعتبر عرضاً شائعاً من أعراض اضطرابات القلق. شعرت بالرعب، لأنني وإن كنت أعتبر نفسي من معتادي الاضطرابات النفسية، إلا أنها كانت المرة الأولي التي اختبر فيها هذا النوع من الإضطرابات والأعراض.


عند هذه المرحلة، أدركت أنه يجب أن أقوم بزيارة طبيب بشكل عاجل، طبيباً نفسياً وليس مجرد أخصائياً أو معالجاً سلوكياً أو اجتماعياً. أدركت أنه يجب أن أقوم بزيارة شخص متخصص يقدم لي مساعدة مزدوجة قائمة علي تناول الأدوية، وعلي العلاج النفسي السلوكي مرة أخري.

كنت أشعر بالكثير من اليأس، والخوف، وأشعر أنني فقدت كل ما قمت ببناؤه خلال العامين السابقين. قام الطبيب بتشخيص حالتي بأنني مصابة باضطرابات القلق Anxiety disorder   وأن نوبات الهلع هي عرض شائع من أعراض هذا الإضطراب. أدركت كذلك أن اضطرابات القلق هي مرض شائع ويعاني منه أكثر من 25% من عدد سكان الكرة الأرضية، وأن الموضوع ليس مخيفاً ويمكن السيطرة عليه.
أدركت أيضاً أنني مريضة بالقلق، وأنني لا استطيع في حالتي الطبيعية أن أتوقف عنه. أدركت أنني حفاظاً علي استقرار حالتي النفسية، وكي لا تراودني الأفكار النتعلقة بإيذاء الذات، يجب أن أنتظم في تناول الأدوية ولفترات طويلة.
وهكذا، بدأت المرحلة الثانية من العلاج النفسي (الكيميائي) إذ يحلو لي أن اسميه. 

المزيد والمزيد من استكشاف خبايا الذات:

بطبيعة الحال، الطبيب لا يستطيع التعرف علي الأعراض المرضية الا بمساعدة من المريض نفسه. يجب أن يختار المريض طواعية أن (يعري وجدانه) إذا جاز التعبير أمام الطبيب، كي يتمكن الطبيب من الوصول للمشكلة. هكذا، كان علي أن أبني علاقة ثقة جديدة مع الطبيب المعالج، كي نستكشف معاً – أو بمعني أصح أن يساعدني علي استكشاف- المنطقة المظلمة التي تولد الشرور أو القلق.
منذ بداية خضوعي للعلاج النفسي، لا استطيع أن احصي المرات التي بكيت فيها أثناء جلسات العلاج، أو أثناء سيري في الشارع. كم من المرات أصبت بنوبات هلع وحاولت إيذاء نفسي. كم من المرات التي فكرت فيها في أنني أرغب في الموت، وأن الموت هو الهدية الأكبر التي قد يعطيها لي الله للتخلص من الامي. كم من الأيام قضيتها أشعر بالأرق الشديد، واختياري ما بين الأرق أو النوم الصناعي (البشع) باستخدام الأدوية المساعدة علي النوم.
اضطرب نظامي الغذائي كثيراً، اضطرب وازداد وزني بشكل ملحوظ حتي أصبت بمرض الشره العصبي (بوليميا) وأصبحت أكل واتقيأ الطعام، ثم كنتيجة لهذا الاضطراب اصبحت أطور أعراضاً مشابهة لمرض فقدان الشهية العصبي (انوريكسيا).
كما تري عزيزي القارئ، الموضوع ليس رومانسياً علي الإطلاق، ويتضمن الكثير من القئ والاسهال والدموع والإختيارات المؤلمة! 
 عن الوصم، والتغلب علي معضلة الحديث في المجال العام:


 عندما اصبت بنوبة الهلع الثالثة خلال أقل من أسبوع، أدركت أنني أحتاج لتدخلاً دوائياً عاجلاً، وأتذكر في مقابلتي الأولي مع الطبيب المعالج أنني هذه المرة أشعر أنني أحتاج لتدخلاً دوائياً، وأنني أتقبل ذلك وأستعد له لأني أخشي من فقدان السيطرة علي حالتي.
بعد قيام الطبيب بالتشخيص، أخبرني أنه سيصف لي دواءًا، وأنني يجب أن أتناول هذا الدواء، وسألني أكثر من مرة إن كان لدي تحفظاً واضحاً حول تناول الدواء، لكنني رحبت بذلك بشدة.

عند انتهاء جلسة العلاج الأولي، توجهت للصيدلية المجاورة لمكان الطبيب، وابرزت لهم الروشتة في عصبية شديدة متوقعة أن اتلقي بعض السخرية الظاهرة أو الباطنة بسبب توقيع الطبيب النفسي علي الورقة، الا أن – لدهشتي- لم يحدث ذلك علي الإطلاق، بل بالعكس، وجدت الكثير من الإحترام والذوق الشديد، بل أن الصيدلي عندما لم يجد علبة الدواء لديه، أصر علي أن يرسل مندوباً من الصيدلية للحصول علي الدواء من فرع الصيدلية الأخر.

أعترف أن هذه الخطوة ساعدت كثيراً في ازالة الرهبة التي كانت عندي من الدخول لصيدلية وطلب دواء خاص بالصحة النفسية، وأن تقبل الأمر أضفي عليه طابعاً ايجابياً.

في بداية تناولي للعلاج، توجهت إلي فرع من فروع سلسلة صيدليات شهيرة لأطلب الحصول علي الدواء، ورغم شعوري ببعض القلق، إلا أنني أبرزت الروشتة للصيدلي وطلبت منه الأدوية الواردة فيها. في هذه المرة كنت أتعامل بالكثير من الثقة والقليل من العدائية! نعم عزيزي الصيدلي، أنا أتلقي علاجاً نفسياً لأنني غير مستقرة نفسياً، أو "مجنونة " كما يحلو للمصريين التسمية! هل لديك إعتراض؟ هل تحب أن أظهر لك بعضاً من الجنون الذي أعانيه؟ 

بدا الأمر مسلياً وأنا اتسلي بملامح الصدمة التي تظهر علي وجوه بعض الصيادلة حديثي التخرج في الصيدليات التي أتردد عليها، وأًصبحت أتعامل بقوة (المنبوذ)! عليك أن تخافني إذا كنت تحب الخوف من الأشخاص متناولي أدوية الصحة النفسية.
  في إحدي المرات التي ذهب لفرع أخر من نفس الصيدلية في مركز تسوق شهير، قمت بسرد أدويتي للصيدلي المتواجد بالصيدلية، فبدا عليه الحيرة، وأخبرني أن أحد الأدوية هو مدرج ضمن قائمة الأدوية المخدرة التي لا تتعامل معها الصيدلية، أما بالنسبة لنوع الدواء الثاني، فسألني الصيدلي في حيرة: هل هو أيضاً مدرج جدول؟ (أي محظور التعامل الا بوصفة متخصصة ومشددة)؟ فما كان مني الا أن أجبت الصيدلي: وهل ستصدقني إذا أخبرتك أنه غير محظور التعامل؟  


الأمر يبدو مسلياً أحياناً كما ترون..... وليس الوصم سيئاً في جميع الأحيان، لكنه مؤلماً في أحيان أخري!


 "يتبع......"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق